17 شوال 1445 هـ   26 نيسان 2024 مـ 1:04 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | مقالات  |  "أُمَّةً وَسَطًا"... عندما يخط الإسلام لأتباعه مسار اللا إفراط ولا تفريط
2022-01-04   1035

"أُمَّةً وَسَطًا"... عندما يخط الإسلام لأتباعه مسار اللا إفراط ولا تفريط

تميزت الأمة الإسلامية بسمة مميزة، تُعرف بها بين الأمم، وانفردت بخصيصة ذكرها القرآن الكريم في قول الله تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))(البقرة ـ 143)، هذه السمة المميزة هي "الوسطية" التي تعني اتخاذ المنهج الوسط بين الإفراط والتفريط وتعمل على تحقيق التوازن القائم على التوسط بين طرفين متضادين وتدفع أهلها للالتزام بروح الإسلام وهداه؛ فيقيمون العدل وينشـرون الخير ويبذلون المعروف ويحققون عبودية الله تعالى، ويعمرون الأرض ويراعون حقوق الإنسانية بين بني البشـر ويعطون كل ذي حقٍّ حقَّه، فالوسطية هي الاعتدال في كل أمور الدين والدنيا.
وقد حثّ الإسلام على التوسط والاعتدال في كل أمور الحياة الدينية والدنيوية؛ فالإسلام وسط بين رعاية حقوق الفرد وحقوق المجتمع، ووسطية الإسلام تسعى إلى تحقيق التوازن في حياة الإنسان الروحية والمادية وفق فطرة الله التي فطر الناس عليها، فالإسلام دين يراعي متطلبات الروح والجسد معًا على السواء.
ويمكننا ملاحظة مبدأ الوسطية في نشأة الأنسان ووجوده على هذه البسيطة، فالإنسان خليط بين الروح والبدن، فهو ليس روح فقط ولا بدن فقط، فبدون الروح لا يمكن للإنسان أن يسمو ويتكامل، وبدون الجسم لا يمكنه ان يعيش ويستمر.
وهكذا وبعد نشأته؛ فالإنسان مدعو إلى أن يعيش هذه الحالة ـ أي حالة الوسطية ـ في جميع أموره الدنيوية، سواء كانت المادية أو المعنوية، ونستطيع أن نشير إلى بعض هذه الأمور في جميع مجال الحياة.

الوسطية والاعتدال في العقيدة
فبعد نشأة الإنسان فهو محتاج إلى نظرة تكوينية عقدية يبني عليها سلوكه ونظامه لكي تتّسق حياته ويصل إلى هدفه المنشود من العيش بسعادة في كلا الدارين، ففي هذا المجال نجده مدعو إلى رفض الإلحاد وعدم وجود الخالق والى عدم الشكّ به وتعدد الآلهة، فالوسطية بين هذين الأمرين أن يؤمن بوجود خالق - وهذا رفض للإلحاد - وفي نفس الوقت يؤمن بعدم وجود غيره كخالق - وهذا رفض للشـرك -.

وقد ذمّ الله من كفر به وقتل انبياءه ((أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ)) (البقرة ـ 87)، لما في ذلك من مظاهر للتطرف والحدية وبعد عن الوسطية، فضلا عن ذمه سبحانه وتعالى، المشركين به مغالاة بخلقه ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ))(التوبة ـ 31). 
وأما الوسطية في عقيدة النبوّة والإمامة؛ فهي الإيمان بالنبوّة والإمامة وترك الغلو فيهما وهذا مما نهى عنه القرآن وكذا الأحاديث الشـريفة، قال تعالى: ((مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ () وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران ـ 79-80).

الوسطية في مطلق السلوك
وبعد نظرة الإنسان التكوينية والعقدية يحتاج الى تنظيم سلوكه العبادي والتربوي والاجتماعي، وهنا جاءت الدعوة إلى الوسطية في مطلق سلوكه الإجمالي، فلا يترك الدنيا للآخرة بصورة كليّة، أو يترك الآخرة للدنيا، قال تعالى: ((وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا))(القصص ـ77).

الوسطية في العبادة
أما الوسطية في العبادة فهي أن لا يفرط الإنسان في التوجه إلى الله تعالى ويترك ما أحلّ الله له من طيبات الدنيا وملذّاتها، أو أن يترك عبادة الله تعالى والتوجّه إليه وينصـرف إلى طلب الدنيا والانغماس في زينتها وزخرفها، وإلى ذلك أشار القرآن الكريم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(11)((سورة الجمعة ـ 9-11).
وأما الوسطية والاعتدال في باقي الأمور الاجتماعية والتربوية فنستطيع أن نوجزها في عدة أمور:

الوسطية في المشاعر
وهو بأن يتمكن الإنسان من ضبط مشاعره وعدم المبالغة والإسراف في الحبّ والبغض؛ فما دامه يعيش هذه الحياة المتقلبة ويتنقل في علاقاتها الاجتماعية المعرضة دوماً للمد والجزر والتبدل والتغير وسوء الفهم وتضارب المصالح وانكشاف المواقف وغير ذلك؛ يحصل أن يتحول الصديق إلى عدو، والعدو إلى صديق؛ وهذا مما يؤثر على الإنسان ومشاعره فربما تكوّن له صدمة موجعة قد تشل كيانه وتحطم كبريائه، فاذا كان معتدلا في تعامله مع الناس فإنّه يتلقى الصدمات الاجتماعية وقد حماه واقي الوسطية والاعتدال بإذن الله، فلا يكون وقع تلك الصدمات عليه عنيفاً كما هو مع حال المتطرفين في تعاملهم مع الناس، ولذا ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: "أحبب حبيبك هوناً ما، فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما".

الوسطية في الإنفاق
أمّا بالنسبة إلى الإنفاق؛ فقد دعا الإسلام من خلال القرآن الكريم والسنّة النبوية الشـريفة إلى الوسطية فيه والتنفير من التبذير والإسراف والبخل، فالإسلام يريد أن يجعل الاقتصاد في النفقة والتبذير خُلقاً دينيّاً أصيلاً من أخلاق الشخصيّة المسلمة، قال تعالى: ((وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)) (الإسراء ـ 29).

الوسطيّة والاعتدال في المشي والحديث 
 ومن سلوكيات الإنسان التي اقتضت الحكمة الإلهيّة الوسطية والاعتدال بها؛ هو الاعتدال في المشي لما فيه من هيبة ووقار، وأمره بالاعتدال بالكلام والحديث لما فيه من جلال القدر للمتحدّث وحسن الإصغاء من المستمع، فالصوت العالي يشتّت الانتباه ويؤذي الأذن ويوتر الأعصاب فأمرنا الله عز وجل بالاعتدال والتوسط بالمشي والكلام على لسان لقمان لابنه؛ وفي هذا أمر إلهي أخلاقي هام يجب أن ينتبه إليه الجميع، حيث قال تعالى: ((وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ))(لقمان ـ19).

الاعتدال والتوسط في الطعام والشراب
أما في الاكل والشرب؛ فعلى الإنسان المسلم أن يكون فيهما مثالاً للاعتدال والوسطية، فلا يبالغ في تناول الطعام فيؤدّي به إلى الأضرار الصحية المختلفة مثل تصلب الشرايين والسّمنة المفرطة ولا يهمل كذلك في تناوله حيث يؤدّي ذلك به إلى الهزل والوهن والضّعف، وقد كان منهج الإسلام مثالاً في الاعتدال والوسطية في الطعام والشراب، قال تعالى: ((وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)) (الأعراف ـ31).

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م