23 شوال 1445 هـ   2 أيار 2024 مـ 9:03 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-04-25   268

فلسفة الزواج واستمرار النوع الإنساني

يدعو الإسلام في سبيل إدامة النوعي الإنساني ـــ باعتبار الإنسان أرقى الخلق وخليفة الله عليهم ـــ الى منظومة ضوابط وقيود ومحددات فضلا عن سماحات ومحفزات بمرتبة الوجوب، فمن حيث الضوابط والقيود، يمنع الإسلام من قتل النفس وقتل الأخر؛ ويحارب أي احتكار منه لأسباب الحياة، بل والحياة الكريمة، وهو بذلك يؤسس لأسباب واقعية للحفاظ على النوع الإنساني.
ومن حيث المحفزات، يحفز الإسلام على حفظ النوع وإدامته واستمراره عبر العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة ومؤداها من حمل وإنجاب. 
ولأن هذا النوع ـــ النوع الإنساني ـــ كغيره؛ عرضة للسنن الحياتية من إيجاد وفناء (ولادة وموت)، صار التشريع الى إدامته من خلال إيجاده على دفعات واجيال، فكان التشريع بالزواج. 
وبقدر ما يستهدف الزواج إشباع الميل الجنسي الفطري لكلا الجنسين، والأنس العاطفي والوجداني بينهما، إلا أنه يستبطن غاية أسمى وأرقى، الا وهي إدامة النوع الإنساني بالاستمرار للأجل المسمى لديه جل شأنه. 
  وبقدر ما يكون الجذب الجنسي والميل العاطفي بين الرجل والمرأة ملحوظين بلحاظ أصل النشأة، فأن الرغبة منهما لإدامة نوعهما عبر سلالتهما؛ هو الأخر فطري غريزي. 
وعليه، فأن التناسل عبر التزواج بين ذكر الإنسان وأنثاه، ومن ثم ولادتها، مطلب إنساني لا بديل عنه، كون الإنسان مخلوق بنحو تكون أقدس متطلباته هي إدامة نوعه عبر النسل.
ولأن الفطرة السليمة القائمة على حكمة الخالق المصور تقتضي أن ما يصدر عنه منتهى الحكمة، فأن حكمته استوجبت ان يستمر هذا النوع من خلال زواج ذكر الإنسان من أنثاه، أي من سنخية خلقه ونوعه، ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا))(النساء ـــ1)، إذ أن حالة الانبثاث النوعي للإنسان (بث منهما رجالا كثيرا ونساء ...) لا يمكن ان تكون الا بين انسانين مختلفين بالخلقة (ذكر وأنثى) والتناسل منحصر بهذه الطريقة التي تكون شكليتها الزواج، وبالتالي فأن مقتضى الحكمة الربانية اوعزت الى ان تحقيق حالة التكاثر لا يمكن ان تكون الا بالزواج بين الرجل والمرأة .
كما أن قوله سبحانه وتعالى ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ))(الأعراف ـــ189)، يثبت أن حالة حمل المرأة لا تكون الا من خلال الرجل، وإن كانت تستعرض في سياقها مطلبا اخر للزواج باعتباره سكن الزوجين معا بما تحمله لفظة (ليسكن) من مشاعر ومودة. 
  ولضرورة التوفيق بين أصل التشريع الصادر عن حكيم رحيم، واصل الإيجاد الصادر عن مبدع مصور ـــ وهو ذات الحكيم الرحيم ـــ فأن حالة الانسجام بين نظام الإيجاد ونظام التشريع ومنه علة الزواج بات مما لا شك فيه، إذ لا تناف بينهما، وبالتالي فأن التشريع لا يقهر الفطرة ولا هي تنسحب منبطحة امامه.  
وعلى هذا، فأن الرجل والمرأة، إنما خلقا بشكل لا يتكامل الا بمعيتهما، وذلك حسب مقتضيات الفطرة الإنسانية وما تشكله من ميل لبعضهما البعض، وهو غير ما يميل أحدهما لأخر من عين جنسه من حيث الذكورة والأنوثة، ما يعتبره الإسلام انحرافا وسيرا عكس التيار كون مسلكهم ـــ من يميلون لنفس الجنس ـــ هذا هو مسلكا يتعارض مع الفطرة ويتنافى مع طبيعة الخلقة، عدا أن هكذا علاقة ـــ المثلية الجنسية ـــ لا توفر ما توفره العلاقة السوية والشرعية من حالة استقرار جسدي وروحي، فضلا عن انعدام دافعية التكامل فيه عن تلك الموفورة في العلاقة بين الرجل والمرأة .
كما ان هذه العلقة السوية توفر هي الأخرى معرفة النوع الإنساني لجدوى إنشاءه، وهو ما لا يمكن إدراكه منه الا بعد أن يتمم نفسه مع الطرف الأخر من معادلة استمرار النوع، وأخيرا الحفاظ على الرابط بين الفرد وخالقه (الدين)، إذ ان فيه ـــ الزواج ـــ تتمة للدين، كما أكده نبي الإسلام صلوات الله عليه وآله "من تزوج فقد أحرزه نصف دينه ...". 
وبهذا، فأن العلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة ـــ الزواج ـــ هو مشروع إلهي، كونه مادة الوعد الإلهي في قوله تعالى ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً .... ))(البقرة ـــ 30) إذ تتطلب الخلافة الربانية استمرار الخلفاء (الورثة) مع نفس نوعية الاستخلاف، لتستمر الخلافة ومنها عمارة للأرض، وهذا ما يجرد الزواج من كونه مجرد مشروعا مدنيا او حياتيا (دنيويا) فقط.
وعلى هذا، فالعلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة تتعدى موضوع المعالجة الجنسية والإرواء الغريزي، لتصل الى فسلفة أعمق وابعد، وهي حفظ النوع الإنساني واستمرار الحالة النوعية البشرية، وهو ما لا يتحقق الا من خلال رابطة الرجل والمرأة والأخيرة ستمر بتعارض مصالح كثيرة وكبيرة ما لم تكون مشروعة عبر الزواج. 
  والخلاصة، ان العلاقة الزوجية إنما هي وسيلة لغاية أسمى ذاتا وموضعا، الا وهي غاية استمرار النوع وهو مقصد شرائعي غاية في الأهمية فضلا عن مقاصد وغايات أخرى. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م