26 شوال 1445 هـ   5 أيار 2024 مـ 3:14 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-01-03   2006

رفقا بالقوارير ... المرأة في الإسلام

ما ان يطّلعُ الفرد منا على حقوق المرأة في الحضارات القديمة بل وحتى الأديان، يلمس جليا حجم التوظيف السلبي لها بما يخدم الرجل وغرائزه، وما ان يُكشف النقاب عما صارت اليه المرأة اليوم في بعض البلدان والحضارات الجديدة التي تدعي منحها الحرية لنسائها، للمسنا حجم المآسي التي صارت اليها هذه المرأة، خصوصا وهي تدير بنفسها دوامة الإفراغ القيمي والابتذال الروحي والجسدي التي تُمارس ضدها، عند ذلك نعي ما قدمه الإسلام للارتقاء بالمرأة في ظلال منظومة قيمية وتربوية وحقوقية أخذت بيدها من قعر الشيئية التي كان الرجل يضعها فيه، الى قمة الكينونة التي أرادها لها خالقها والتي هي عليه الآن.
ولمعرفة حقوق المرأة في الإسلام لابد من محاكمة بعض "المنح" التي تمنحها بعض التشريعات الوضعية لها بعد أن يصبغوها على أنها "حقوق" في وقت تكون هي اشبه بحالات الرهان على ابتذال قيمتها والإمعان في تسطيح وعيها ومكننة تفكيرها حسب بوصلة غرائز الرجال.
وقد راعي الشارع الإسلامي المقدس طبيعة الاختلاف بين الرجل والمرأة؛ بلحاظ الاختلافات الجوهرية بينهما سواء ما كان منها على صعيد البنية الجسدية او الملكات النفسية فضلا عن الميول العاطفية.
وإذا ما لاحظنا ثمة تباين في توزيع الحقوق بينها وبين صنوها الرجل فلا يُعّد ذلك تمايزا؛ إنما هو من قبيل تعدد أدوار، وليس من الإنصاف ربطه بالكمال والنقصان؛ كونه تناسبية وتعادل وتكافئ ((وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا))(النساء ـــ23)، بمعنى ان التمايز بالحقوق مرده التباين في الخلقة، وهو ما استوجب منح المرأة حقوق تناسب وضعها وليس بالضرورة تناسب الرجل، والعكس صحيح، وما هذا المَنح إلا اعترافا من الشارع المقدس باستقلالها كشخصية حقيقية وليس اعتبارية، وما يتبع ذلك من لازمة لشخصيتها كالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمالية، إذ منحها ما منح الرجل من حقوق في سبيل الوصول للكمال وبلوغ مرامي الحياة الطيبة باعتبار كينونتها ككائن محترم ومستقل بل وحر؛ ((من عمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلـنحيينه حياة طيـــبة ولنجزينهـــم أجرهم بأحسن ما كـــانوا يعملون))(النحل ـــ 97). 
وللاطلاع على حقوق المرأة في الإسلام، لابد لنا من أن نبين ان هنالك نوعين من الحقوق، فطرية وكسبية، أو كما يصطلح عليها ضرورية وكمالية، فالضرورية حقوق لا نقاش فيها ولا مرونة في التنازل عنها، من ذلك مثلا حقها في الزواج وحفظ الكرامة وتوفير ضرورات الحياة كالمأكل والملبس والمسكن والعلاج والأمان والتعلم، في حين تمثلت الكمالية منها بالسفر الترفيهي والنزهة وممارسة التجارة، وكلها مقيدة بضوابط وشرائط لصالح المرأة وربما المجتمع بدرجة ثانية.  
فبداية، ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في قيمتهما الإنسانية وبالتالي مقبولية اعمالهما، وهو حق العمل ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون)) (النحل ـــ 97)؛ وهذا إنما يعد ريادة في منح الحق لها في وقت كانت بعض الحضارات مترددة في اعتبارها "إنسان" فضلا عن كونها قرينة للرجل. 
ومن جهة التصدي للمسؤولية الاجتماعية وتقويم عمل الأخرين، فقد كُلفت المرأة كما كلف الرجل بواجب الإصلاح ـــ قد ينظر لهذا التكليف على إنه حق كحقها في التصدي لبناء المجتمع وطرح رؤيتها في ذلك كالعمل في الجانب السياسي ـــ ومنه واجبها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ((َالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ))(التوبة ـــ71)، وما هذا التكليف إلا ايمانا من الشارع المقدس بقدرة المرأة على إدارة المنظومة المجتمعية كما يفعل الرجل ولا تمايز بينهما الا حسب مقتضى الظرفية.
ومن جهة حقها في الحصول على العلم وتسلقه لتحقيق حقوق أخرى، فقد أقر الإسلام وجوب طلب العلم على المرأة كما على صنوها، وليس لها من عذر في ذلك "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة". 
وعلى هذا وذاك، فقد فهمنا أن مرد التمايز بين حق المرأة وحق الرجل إنما مرده الفروقات بينهما، وهو ما ينسحب حتى على الواجبات حسب حاجات ومتطلبات وقدرات الأنوثة والذكورة ومحددات ذلك. 

 

ظافرة عبد الواحد

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م