24 شوال 1445 هـ   3 أيار 2024 مـ 5:31 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | لماذا الدين؟ |  الكون.. حادث أم محدث؟!
2021-08-13   2644

الكون.. حادث أم محدث؟!

ما زال المشككون يشتغلون ـ وفق منظومة الشك ـ على الإعباط الوجودي، محاولين بذلك تأسيس نظام فوضى الإيجاد والخلق، وهو نظام اللا نظام، بمعنى أنهم يسطحون كل ما من شأنه إثبات وجود منظم ومهندس لهذه الوجود، وبدونه لا يمكن أن يوجد ـ الكون ـ او فضلا عن استمراره.
وببساطة، يرد أهل الدين والمؤمنين بوجود خالق عظيم لهذا الكون، يردون على هذه التخرصات بأدلة وبراهين كثيرة، ليس من متسع لبيانها جميعا، وسنذكر هنا بعضا من هذه الأدلة الفلسفية، وسنعرج أخيرا على الدليل العلمي الأصدق، على أمل أن تترك التفاصيل والتوسيع الى مقالات أخرى.
ـ برهان الإمكان الذاتي:
تكمن لفتة هذه الطرح الى احتمالية ـ والاحتمال هنا ليس تشكيكا إنما أتساقا مع ما تفكر به العقولة الملحدة ـ أن يكون هذا الوجود بما وجد فيه ممكن الوجود، وإمكانية الوجود هذه إنما تعني، أنه يمكن أن يكون كما هو أو قد لا يكون أصلا، وبالتوفيق مع النظرية العلمية الكبرى المسماة علة الوجود، ومفادها بأن كل ما موجود يحتاج الى علّة ايجاد، توجده من العدم القبلي ما يعني أن علة الإيجاد هذه لا بد أن تكون واجب الوجود، ووفقا لما يسمى بالإلزام في الدور والتسلسل، فإن من المحال أن يتوقف وجود الشيء على نفسه.
ـ برهان الحدوث:
تتبنى هذه النظرية فكرة أن هذا الوجود حادث (مولود) قطعاً، وذلك بالاستفادة من وجود الحركة والتغيير فيه، أي أن هذه الحركة الكونية من وجود النجوم والانفجارات الكونية والثقوب وموت وتلاشي النجود، حركة كل ذلك فضلا عما موجود على النجوم، ناهيك عن فيزياء هذه كله، إنما هو دليل على الحدوث، اتساقا مع فيزياء الحركة، لانّ الحركة هو خروج الشيء تدريجاً من القوة الى الفعل؛ ولو كان العالم قديماً لزم أن يخرج جميع الكائنات من القوة إلى الفعل منذ آماد طويلة؛ وهذا يعني انتهاء التغير والحركة والوصول إلى السكون الدائم، إلا أن الحاصل حاليا هو وجود الحركة والتغير وبشكل مستمر، حسبما سُمّي فيزيائيا بقانون يدعى  الترموديناميكية؛ والذي ينص على أن حرارة كلّ جزء في هذا الوجود تسير بخطى حثيثة نحو الفقدان، وبتعبير أدق إن أي جزء من أجزاء هذا العالم يفقد حرارته بالتدريج؛ فلو كان العالم قديماً للزم انّ فقدت موجوداته حرارتها منذ زمن سحيق وعم الجمود والبرودة فيها حتى يومنا هذا؛ وهذا ما ينافي الواقع، إذ إننا ما زلنا نحس وجداناً بوجود الحرارة في هذا العالم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ فإن حدوث العالم يحتاج لمحدوث قديم لأن فكلّ حادث يحتاج لمحدث قديم بالذات لاشتماله الدور أو التسلسل.
ـ برهان الحركة والتغيير:
ومضمون هذه البرهان هو إن أي حركة او تغير إنما هو أمر حادث، وبالتالي فإنه محتاج الى من يحركه (أي محدث لحركته)؛ وبمعنى أدق، كل حركة تحتاج لمحرك ومغير؛ ولا يمكن ان يكون المحرك أو المغيّر نفس المتحرّك أو المتغير؛ لانّ الحركة هي الخروج من القوّة إلى الفعل والمتحرّك أو المتغيّر يكون قبل تحرّكه فاقداً لتلك الفعليّة فكيف يوجدها والحال انّ فاقد الشيء لا يعطيه.

ـ برهان النظم:
إما عن الدليل العلمي الجازم على وجود الله جل شأنه كموجد ومحدث لهذه الكون، هو برهان النظم، الذي يستند على مستندين اثنين، الأول منهما؛ حقيقة وجود حالة انتظام لا محدودة لهذه الكون، وبيانها ذلك الاتساق اللا محدود بين أجزائه وتراكيبه، إما المستند الثاني، فمضمونه هو إن التنظيم الدقيق لا يمكن أن يكون ذاتيا؛  بل ثمة مدبر عظيم وموجد حكيم اقتضت مشيئته أن يكون كذلك، ولا يمكن ان يكون ذلك مجرد صدفة أو اتفاق، وهو ما أشبع تقريرا في القرآن الكريم، خصوصا في الآيات الشريفات التي تتحدث عن الكون وأتساعه وتصف الخلائق بدقة لا متناهية، ومنها: ((وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(49))(سورة الذاريات ـ 47 ـ 49)، وقوله تعالى: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ))(سورة لقمان ـ 29)، وغير ذلك من آلاف المصاديق القرآنية، فضلا عن الأحاديث العصموية للنبي الأكرم وأهل بيته صلوات الله تعالى عليهم أجمعين، ومنها ما قاله الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام: "  أول العبر والأدلة على الباري جل قدسه تهيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه، فإنك إذا تأملت العالم بفكرك وميزته بعقلك وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه عباده، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم منضودة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، وكل شيء فيها لشأنه معد، والإنسان كالمملك ذلك البيت، والمخول جميع ما فيه، وضروب النبات مهيأة لمآربه، وصنوف الحيوان، مصروفة في مصالحه ومنافعه، ففي هذا دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتقدير وحكمة، ونظام وملائمة، وأن الخالق له واحد"، وقوله صلوات الله تعالى عليه في مورد الرد على زنديق كان قد سأله عن الدليل على صانع العالم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعا صنعها، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا، وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده"، وقوله صلوات الله تعالى عليه: "  الإمام الصادق (عليه السلام): والعجب من مخلوق يزعم أن الله يخفى على عباده وهو يرى أثر الصنع في نفسه بتركيب يبهر عقله، وتأليف يبطل حجته (جحوده)، ولعمري لو تفكروا في هذه الأمور العظام لعاينوا من أمر التركيب البين، ولطف التدبير الظاهر، ووجود الأشياء مخلوقة بعد أن لم تكن، ثم تحولها من طبيعة إلى طبيعة، وصنيعة بعد صنيعة، ما يدلهم على الصانع"، وقوله عليه الصلاة والسلام في مورد أجابته عن الدليل على وجود الصانع، فقال عليه الصلاة والسلام: "وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين امّا ان أكون صبغتها انا فلا أخلو من أحد معينين إمّا ان أكون صنعتها وكنت موجودة أو صنعتها وكانت معدومة فان كنت صنعتها وكانت موجوده فقد استغنيت بوجودها عن صنعتها وان كانت معدومة فانّك تعلم انّ المعدوم لا يحدث شيئاً ، فقد ثبت المعنى الثالث انّ لي صانعاً وهو الله رب العالمين".

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م