20 شوال 1445 هـ   29 نيسان 2024 مـ 10:33 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | مقالات في القرآن الكريم |  العمومية في الخطاب القرآني.. نحو مجتمع رباني
2022-08-11   685

العمومية في الخطاب القرآني.. نحو مجتمع رباني

لم يكن القرآن الكريم مجرد كتاب ديني يسرد أخبار غابر الأزمنة، ولا هو كتاب قصصي بحت، ولا مجر كتاب فتوائي؛ يفتى في الحلال والحرام فقط، إنما هو دستور حياة، دستور للبشرية مطلقا، يتسامى عن الزمان والمكان، يصلح للإنسان أنى كان، ومهما كان! وليس ذلك بغريب عنه وهو كتاب الله الخاتم، ما جعل منه أن يكون شاملا كاملا، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا ومنحها ما تستحقه من معالجة، ليحيط بنواحي الحياة ويشمل متفرقاتها وجزئياتها، مؤسسا بذلك اسسه العامة لحياة مثالية ينعم بها الفرد والمجتمع على حد سواء. 
ومن أهم بنود هذا الدستور العظيم، هو الجنبة الحقوقية المجتمعية، فبقدر منحه الأخلاق الفردية مساحتها، وتربية الفرد بالشكل الذي يجعل منه صالحا، عالج القرآن الكريم المجتمع بصورة كلية، وصولا للمجتمع المنشود من فسلفة الإستخلاف التي يريدها الله منا كمجموع بشري، ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارتضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فأولئك هُمُ الْفَاسِقُونَ ))(سورة النور ـ 55).
ولأن القرآن الكريم كتاب حياة، فقد اشتغل على نمذجة الفرد كفرد مرة وضمن اسرته في مرة ثانية، كما اشتغل ـ من خلال ذلك ـ على نمذجة مجتمع الإستخلاف الموعود، على اعتبار أن الفرد هو لبنة من لبنات بناء هذا المجتمع.
ومن جملة الحقوق المجتمعية التي اقرها كتاب الله الأعظم (القرآن الكريم)، على الجماعة الصغيرة حيال المجتمع ككل هو خطابه العام، حيث لم يكن خطابه موجها لجماعة دون أخرى، ولا لفصيل دون فصيل، ولا لعرق دون سواه، وهو بذلك ينشد الإنسان ـ كل أنسان ـ، حيث وردت معظم توصياته بصيغة الجمع، ومن جملة هذه التوصيات المجتمعية ما يلي:
ـ التعاون بالخير والابتعاد عن العدوان، كقوله تعالى: ((وَتَعَاونوا على البرِّ والتَقوى ولا تَعاونُوا على الإثمِ والعُدوانِ))(سورة المائدة ـ 2).
ـ الإحسان إلى التركيبات المجتمعية، كقوله تعالى: ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى و َالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ....))(سورة النساء ـ 36).
ـ الإيفاء بالعهود والمواثيق لضمان الصدق التعاملات المجتمعية، كقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.........) )(سورة المائدة ـ 1)
ـ أداء الأمانات، كقوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا))(سورة النساء ـ 58)
ـ نصرة الحق والانتصاف لأهل الدين، كقوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ))(سورة الأنفال ـ 72)
ـ إعانة الفقير والمسكين وابن السبيل، كقوله تعالى: ((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15)آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19))(سورة الذاريات ـ 15 ـ19)
ـ الوحدة والاعتصام بحل الله المتين، كقوله تعالى: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ))(سورة آل عمران ـ 103)
ـ إصلاح ذات البين بين المؤمنين، كقوله تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ))(سورة الحجرات ـ 10)
ـ الابتعاد عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب، كقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ))(سورة الحجرات ـ 11)
ـ التواصي بين افاد المجامع بالصبر والتواشج على الحق، كقوله تعالى: ((إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْر (2)  إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3))(سورة العصر ـ 2 ـ 3)
ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لضمان شيوع الخير والفضيلة، كقوله تعالى: ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))( سورة أل عمران ـ 104)
ـ عدم الاعتداء على الآخرين باي نع من انواع الاعتداء بالظلم والقتل، كقوله تعالى: ((...... ولا تَعتدُوا إنَّ اللهَ لا يُحبُّ المُعتَدينَ))(سورة البقرة ـ 190)
ـ أنصاف أموال ناس من حكام الجور، كقوله تعالى: ((وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ))(سورة البقرة ـ 188).
ـ الحفاظ على حرمة البيوت، كقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ))(سورة النور ـ 27).
ـ النهى عن بخس الناس حقوقهم، كقوله تعالى: ((وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ))(سورة هود ـ 85).
ـ الابتعاد عن الظنة والتجسس والغيبة، كقوله تعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ))(سورة الحجرات ـ 12).
ـ حرمة اشاعة الفاحشة والابتذال في المجتمع، كقوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ))(سورة النور ـ 19).
ـ الحفاظ على الحق من خلال فسلفة القصاص، كقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))(سورة البقرة ـ 178).
ـ الابتعاد عن الفواحش، ظاهرها وباطنها، حفاظا على الأنفس من الزيغ، كقوله تعالى: ((...... وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ..... ))(سورة الأنعام ـ 151).
ـ اشاعة القسط والعمل بقول الحق، كقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا))(سورة النساء ـ 135).
ـ عدم الاجتهاد في مورد النص، تحريما لما احله الله من طيباته، كقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ(88))(سورة المائدة ـ 87 ـ 88)
ـ التحرر من ربقة الماضي وما آلفه الآباء والأجداد من عقائد، كقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ))(سورة التوبة ـ 23)
ـ أداء الأمانات، كقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ))(سورة الأنفال ـ 27

وبهذه الطريقة الخطابية التي اعتمدها القرآن الكريم، وفر للمجتمع البشري حصانته وممانعته من الانزلاق في مهاوي الخطأ والزلل، من خلال تشكيله لما يسمى بالرقابة المجتمعية المتمثلة في تبنى فريق من المجتمع مهمة اصلاح البقية، بما يحافظ على الروح المجتمعية والقيم الأخلاقية التي تحفظ للمجتمع ترابطه وتواصله.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م